فصل: التفسير المأُثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال سيد قطب:

سورة الهمزة:
تعكس هذه السورة صورة من الصور الواقعية في حياة الدعوة في عهدها الأول. وهي في الوقت ذاته نموذج يتكرر في كل بيئة.. صورة اللئيم الصغير النفس، الذي يؤتى المال فتسيطر نفسه به، حتى ما يطيق نفسه! ويروح يشعر أن المال هو القيمة العليا في الحياة. القيمة التي تهون أمامها جميع القيم وجميع الأقدار: أقدار الناس. وأقدار المعاني. وأقدار الحقائق. وأنه وقد ملك المال فقد ملك كرامات الناس وأقدارهم بلا حساب!
كما يروح يحسب أن هذا المال إله قادر على كل شيء؛ لا يعجز عن فعل شيء! حتى دفع الموت وتخليد الحياة. ودفع قضاء الله وحسابه وجزائه إن كان هناك في نظره حساب وجزاء!
ومن ثم ينطلق في هوس بهذا المال يعده ويستلذ تعداده؛ وتنطلق في كيانه نفخة فاجرة، تدفعه إلى الاستهانة بأقدار الناس وكراماتهم. ولمزهم وهمزهم.. يعيبهم بلسانه ويسخر منهم بحركاته. سواء بحكاية حركاتهم وأصواتهم، أو بتحقير صفاتهم وسماتهم.. بالقول والإشارة. بالغمز واللمز. باللفتة الساخرة والحركة الهازئة!
وهي صورة لئيمة حقيرة من صور النفس البشرية حين تخلو من المروءة وتعرى من الإيمان. والإسلام يكره هذه الصورة الهابطة من صور النفوس بحكم ترفعه الأخلاقي. وقد نهى عن السخرية واللمز والعيب في مواضع شتى. إلا أن ذكرها هنا بهذا التشنيع والتقبيح مع الوعيد والتهديد، يوحي بأنه كان يواجه حالة واقعية من بعض المشركين تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجاه المؤمنين.. فجاء الرد عليها في صورة الردع الشديد، والتهديد الرعيب. وقد وردت روايات بتعيين بعض الشخصيات. ولكنها ليست وثيقة. فنكتفي نحن بما قررناه عنها..
والتهديد يجيء في صورة مشهد من مشاهد القيامة يمثل صورة للعذاب مادية ونفسية، وصورة للنار حسية ومعنوية. وقد لوحظ فيها التقابل بين الجرم وطريقة الجزاء وجو العقاب. فصورة الهمزة اللمزة، الذي يدأب على الهزء بالناس وعلى لمزهم في أنفسهم وأعراضهم، وهو يجمع المال فيظنه كفيلا بالخلود! صورة هذا المتعالي الساخر المستقوي بالمال، تقابلها صورة (المنبوذ) المهمل المتردي في {الحطمة} التي تحطم كل ما يلقى إليها، فتحطم كيانه وكبرياءه. وهي {نار الله الموقدة} وإضافتها لله وتخصيصها هكذا يوحي بأنها نار فذة، غير معهودة، ويخلع عليها رهبة مفزعة رعيبة. وهي {تطلع} على فؤاده الذي ينبعث منه الهمز واللمز، وتكمن فيه السخرية والكبرياء والغرور.. وتكملة لصورة المحطم المنبوذ المهمل.. هذه النار مغلقة عليه، لا ينقذه منها أحد، ولا يسأل عنه فيها أحد! وهو موثق فيها إلى عمود كما توثق البهائم بلا احترام! وفي جرس الألفاظ تشديد: عدده. كلا. لينبذن. تطلع. ممددة وفي معاني العبارات توكيد بشتى أساليب التوكيد: {لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة..} فهذا الإجمال والإبهام. ثم سؤال الاستهوال. ثم الإجابة والبيان.. كلها من أساليب التوكيد والتضخيم.. وفي التعبير تهديد {ويل لينبذن الحطمة... نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة}..
وفي ذلك كله لون من التناسق التصويري والشعوري يتفق مع فعلة (الهمزة اللمزة)!
لقد كان القرآن يتابع أحداث الدعوة ويقودها في الوقت ذاته. وكان هو السلاح البتار الصاعق الذي يدمر كيد الكائدين، ويزلزل قلوب الأعداء ويثبت أرواح المؤمنين.
وإنا لنرى في عناية الله سبحانه بالرد على هذه الصورة معنيين كبيرين:
الأول: تقبيح الهبوط الأخلاقي وتبشيع هذه الصورة الهابطة من النفوس.
والثاني: المنافحة عن المؤمنين وحفظ نفوسهم من أن تتسرب إليها مهانة الإهانة، وإشعارهم بأن الله يرى ما يقع لهم، ويكرهه، ويعاقب عليه.. وفي هذا كفاية لرفع أرواحهم واستعلائها على الكيد اللئيم.. اهـ.

.قال الشنقيطي:

سورة الهمزة:
{الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)}
هذا الوصف يشعر بأنه علة فيما قبله، إذ الموصول هنا يدل من كل المتقدمة، وليس العيب في جمع مالًا بل في عدده. يحسب أن ماله أخلده. وفي عدده عدة معان:
قيل: عده كل وقت وآخر، تحفظًا عليه.
وقيل: عدده كنزه.
وقيل: عدده أعده للحاجة.
وقرئ: جمع وعدد بالتشديد وبالتخفيف. والمراد به من لم يؤد حق الله فيه شحًا وبخلا، كما تقدم في سورة {أَلْهَاكُمُ التكاثر} [التكاثر: 1].
{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}
هذا الحسبان هو المذموم عليه، والمنصب عليه الوعيد، لأنه كفر بالبعث. كما قال صاحب الجنة في الكهف {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قال مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَدًا وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} [الكهف: 35-36].
{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)}
كلا: ردع وزجر له على حسبانه الباطل، ولينبذن في جوارب قسم محذوف دل عليه قوله: كلا.
وهذا يفسره ما تقدم في قوله: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 9]، أي ينبذ نبذًا، فيهوي على أم رأسه.
عي إذا بالله.
والحطمة: فعلة من الحطم، وهو الكسر، ثم الأكل الكثير.
وقد فسرت بما بعدها {نَارُ الله الموقدة} [الهمزة: 6]، وسميت (حطمة) لأنها تحطم كل ما ألقي فيها، وتقول: هل من مزيد.
{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مؤصدة (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
قيل: مؤصدة في عمد. بأن العمد صارت رصدًا للباب كالقفل، والفلق له.
وقيل: في عمد: أنهم يدخلون في عمد كالقصبة، مجوفة الداخل.
وقيل: في عمد: أي توضع أرجلهم في العمد على صورة القيد في الخشبة الممتدة، يشد فيها عدد من الأشخاص في أرجلهم.
وكنت سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في ذلك: أن العمد بمعنى القصبة المجوفة تضيق عليهم، كما في قوله: {وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13].
فيكون أرجح في هذا المعنى.
وقد نص عليه في إملائه رحمة الله تعالى علينا وعليه. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت {ويل لكل همزة} بمكة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قيل له: نزلت هذه الآية في أصحاب محمد {ويل لكل همزة لمزة} قال: ابن عمر: ما عنينا بها ولا عنينا بعشر القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن عثمان بن عمر قال: ما زلنا نسمع أن {ويل لكل همزة} قال: ليست بحاجبة لأحد نزلت في جميل بن عامر زعم الرقاشي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {ويل لكل همزة} في الأخنس بن شريق.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن راشد بن سعد المقدامي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما عرج بي مررت برجال تقطع جلودهم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يتزينون. قال: ثم مررت بجب منتن الريح فسمعت فيه أصواتًا شديدة، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: نساءكن يتزين بزينة ويعطين ما لا يحل لهن، ثم مررت على نساء ورجال معلقين بثديهن، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الهمازون والهمازات، ذلك بأن الله قال: {ويل لكل همزة لمزة}».
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: {ويل لكل همزة لمزة} قال: هو المشاء بالنميمة المفرق بين الجمع المغري بين الأخوان.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قي قوله: {ويل لكل همزة} قال: طعان {لمزة} قال: مغتاب.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في الآية قال: الهمزة الطعان في الناس، واللمزة الذي يأكل لحوم الناس.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة {ويل لكل همزة لمزة} قال: يأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية {ويل لكل همزة لمزة} قال: تهمزه في وجهه وتلمزه من خلفه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة {ويل لكل همزة} قال: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينيه، ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن جريج قال: الهمز بالعينين والشدق واليد واللمز باللسان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {جمع مالًا وعدده} قال: أحصاه.
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والخطيب في تاريخه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {يحسب أن ماله أخلده} بكسر السين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة {يحسب أن ماله أخلده} قال: يزيد في عمره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {كلا لينبذن} قال: ليلقين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسين بن واقد قال: الحطمة باب من أبواب جهنم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {التي تطلع على الأفئدة} قال: تأكل كل شيء منه حتى تنتهي إلى فؤاده فإذا بلغت فؤاده ابتدئ خلقه.
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن المنكدر في قوله: {التي تطلع على الأفئدة} قال: تأكله النار حتى تبلغ فؤاده وهو حيّ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {إنها عليهم مؤصدة} قال: مطبقة {في عمد ممددة} قال: عمد من نار.
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب أنه قرأ {في عمد}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه قرأ: {بعمد ممددة} قال: وهي الأدهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {في عمد} قال: الأبواب.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {في عمد ممددة} قال: أدخلهم في عمد فمدت عليهم في أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية {في عمد} قال: عمد من حديد في النار.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {في عمد} قال: كنا نحدث أنها عمد يعذبون بها في النار.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح {في عمد ممددة} قال: القيود الطوال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: من قرأها {في عمد} فهو عمد من نار ومن قرأها {في عمد} فهو حبل ممدود.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: في النار رجل في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام يا حنان يا منان، فيقول رب العزة لجبريل: أخرج عبدي من النار فيأتيها فيجدها مطبقة فيرجع، فيقول يا رب {إنها عليهم مؤصدة} فيقول يا جبريل: فكها واخرج عبدي من النار فيفكها ويخرج مثل الفحم فيطرحه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعرًا ولحمًا ودمًا.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي ثم ماتوا عليها فهم في الباب الأول من جهنم لا تسود وجوههم، ولا تزرق أعينهم، ولا يغلون بالأغلال، ولا يقرنون مع الشياطين، ولا يضربون بالمقامع، ولا يطرحون في الأدراك. منهم من يمكث فيها ساعة، ومنهم من يمكث يومًا ثم يخرج، ومنهم من يمكث شهرًا ثم يخرج، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج، وأطولهم مكثًا فيها مثل الدنيا منذ يوم خلقت إلى يوم أفنيت، وذلك سبعة آلاف سنة، ثم إن الله عز وجل إذا أراد أن يخرج الموحدين منها قذف في قلوب أهل الأديان، فقالوا لهم: كنا نحن وأنتم جميعًا في الدنيا فآمنتم وكفرنا، وصدقتم وكذبنا وأقررتم وجحدنا فما أغنى ذلك عنكم، نحن وأنتم فيها جميعًا سواء تعذبون كما نعذب وتخلدون كما نخلد، فيغضب الله عند ذلك غضبًا لم يغضبه من شيء فيما مضى، ولا يغضب من شيء فيما بقي، فيخرج أهل التوحيد منها إلى عين الجنة والصراط يقال لها نهر الحياة، فيرش عليهم من الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ما يلي الظل منها أخضر وما يلي الشمس منها أصفر، ثم يدخلون الجنة فيكتب في جباههم عتقاء الله من النار إلا رجلًا واحدًا فإنه يمكث فيها بعدهم ألف سنة، ثم ينادي يا حنان يا منان، فيبعث الله إليه ملكًا ليخرجه فيخوض في النار في طلبه سبعين عامًا لا يقدر عليه، ثم يرجع فيقول: يا رب إنك أمرتني أن أخرج عبدك فلانًا من النار، وإني طلبته في النار منذ سبعين سنة فلم أقدر عليه، فيقول الله عز وجل: انطلق فهو في وادي كذا وكذا تحت صخرة فأخرجه. فيذهب فيخرجه منها فيدخله الجنة، ثم إن الجهنميين يطلبون إلى الله أن يمحى ذلك الإِسم عنهم، فيبعث الله إليهم ملكًا فيمحو عن جباههم، ثم إنه يقال لأهل الجنة ومن دخلها من الجهنميين اطلعوا إلى أهل النار فيطلعون إليهم فيرى الرجل أباه ويرى أخاه ويرى جاره ويرى صديقه ويرى العبد مولاه، ثم إن الله عز وجل يبعث إليهم ملائكة باطباق من نار ومسامير من نار وعمد من نار فيطبق عليهم بتلك الأطباق وتسمر بتلك المسامير وتمد بتلك العمد، ولا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح ولا يخرج منه غم، وينساهم الجبار على عرشه، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم، ولا يستغيثون بعدها أبدًا، وينقطع الكلام فيكون كلامهم زفيرًا وشهيقًا، فذلك قوله: {إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة}».
يقول: مطبقة والله أعلم. اهـ.